فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أوَلم يروا أنا نأتي الأرض ننقُصُها من أطرافها}
فيه أربعة تأويلات:
أحدها: بالفتوح على المسلمين من بلاد المشركين، قاله قتادة.
الثاني: بخراجها بعد العمارة، قاله مجاهد.
الثالث: بنقصان بركتها وتمحيق ثمرتها، قاله الكلبي والشعبي.
الرابع: بموت فقهائها وخيارها، قاله ابن عباس.
ويحتمل خامسًا: أنه بجور ولاتها.
قوله عز وجل: {ويقول الذين كفروا لست مُرْسلًا}
قال قتادة: هم مشركو العرب.
{قلْ كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم} أي يشهد بصدقي وكذبكم.
{ومن عنده علم الكتاب} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم عبدالله بن سلام وسلمان وتميم الداري، قاله قتادة.
الثاني: أنه جبريل، قاله سعيد بن جبير.
الثالث: هو الله تعالى، قاله الحسن ومجاهد والضحاك.
وكانوا يقرأون: {ومِن عنده علم الكتاب} أي من عِنْد الله علم الكتاب، وينكرون على من قال هو عبد الله بن سلام وسلمان لأنهم يرون السورة مكية، وهؤلاء أسلموا بالمدينة، والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}
{إن} شرط دخلت عليها: {ما} مؤكدة، وهي قبل الفعل فصارت في ذلك بمنزلة اللام المؤكدة في القسم التي تكون قبل الفعل في قولك: والله لنخرجن، فلذلك يحسن أن تدخل النون الثقيلة في قولك: {نرينك} لحلولها هنا محل اللام هنالك، ولو لم تدخل: {ما} لما جاز ذلك إلا في الشعر، وخص البعض بالذكر إذ مفهوم أن الأعمار تقصر عن إدراك جميع ما تأتي به الأقدار مما توعد به الكفار. وكذلك أعطي الوجود، ألا ترى أن أكثر الفتوح إنما كان بعد النبي عليه السلام و: {أو} عاطفة. وقوله: {فإنما} جواب الشرط.
ومعنى الآية: إن نبقك يا محمد لترى أو نتوفينك، فعلى كلا الوجهين إنما يلزمك البلاغ فقط.
وقوله: {نعدهم} محتمل أن يريد به المضار التي توعد بها الكفار، فأطلق فيها لفظة الوعد لما كانت تلك المضار معلومة مصرحًا بها، ويحتمل أن يريد الوعد لمحمد في إهلاك الكفرة، ثم أضاف الوعد إليهم لما كان في شأنهم.
والضمير في قوله: {يروا} عائد على كفار قريش وهم المتقدم ضميرهم في قوله: {نعدهم}.
وقوله: {نأتي} معناه بالقدرة والأمر، كما قال الله تعالى: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} [النحل: 26] و: {الأرض} يريد به اسم الجنس، وقيل: يريد أرض الكفار المذكورين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب الاختلاف في قوله: {ننقصها من أطرافها}.
وقرأ الجمهور: {نَنقصها} وقرأ الضحاك: {نُنقصها}.
وقوله: {من أطرافها} من قال: إنها أرض الكفار المذكورين- قال: معناه، ألم يروا أنا نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك فننقصها بما يدخل في دينك في القبائل، والبلاد المجاورة لهم، فما يؤمنهم أن نمكنك منهم أيضًا، كما فعلنا بمجاوريهم- قاله ابن عباس والضحاك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب الاختلاف في قوله: {ننقصها من أطرافها} القول لا يتأتى إلا بأن نقدر نزول هذه الآية بالمدينة، ومن قال: إن: {الأرض} اسم جنس جعل الانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة- هذا قول ابن عباس أيضًا ومجاهد.
وقالت فرقة: الانتقاص هو بموت البشر وهلاك الثمرات ونقص البركة، قاله ابن عباس أيضًا والشعبي وعكرمة وقتادة. وقالت فرقة: الانتقاص هو بموت العلماء والأخيار- قال ذلك ابن عباس أيضًا ومجاهد- وكل ما ذكر يدخل في لفظ الآية.
والطرف من كل شيء خياره، ومنه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلوم أودية في أي واد أخذت منها حسرت فخذوا من كل شيء طرفًا. يعني خيارًا.
وجملة معنى هذه الآية: الموعظة وضرب المثل، أي ألم يروا فيقع منهم اتعاظ.
وأليق ما يقصد لفظ الآية هو تنقص الأرض بالفتوح على محمد.
وقوله: {لا معقب} أي لا راد ولا مناقض يتعقب أحكامه، أي ينظر في أعقابها أمصيبة هي أم لا؟ وسرعة حساب الله واجبة لأنها بالإحاطة ليست بعدد.
و{المكر}: ما يتمرس بالإنسان ويسعى عليه- علم بذلك أو لم يعلم- فوصف الله تعالى الأمم التي سعت على أنبيائها- كما فعلت قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم- ب: {المكر}.
وقوله: {فلله المكر جميعًا} أي العقوبات التي أحلها بهم. وسماها مكرًا على عرف تسمية المعاقبة باسم الذنب، كقوله تعالى: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] ونحو هذا.
وفي قوله تعالى: {يعلم ما تكسب مل نفس} تنبيه وتحذير في طي إخبار ثم توعدهم تعالى بقوله: {وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار}.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: {الكافر} بالإفراد، وهو اسم الجنس، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: {الكفار}، وقرأ عبد الله بن مسعود: {الكافرون}، وقرأ أبي بن كعب: {الذين كفروا}. وتقدم القول في: {عقبى الدار} قبل هذا.
وقوله تعالى: {ويقول الذين كفروا} الآية، المعنى: ويكذبك يا محمد هؤلاء الكفرة ويقولون: لست مرسلًا من الله وإنما أنت مدع، قل لهم: {كفى بالله شهيدًا}.
و{بالله} في موضع رفع، التقدير: كفى الله. و: {شهيد} بمعنى: شاهد، وقوله: {ومن عنده علم الكتاب} قيل: يريد اليهود والنصارى الذين عندهم الكتب الناطقة برفض الأصنام وتوحيد الله تعالى، وقال قتادة: يريد من آمن منهم كعبد الله بن سلام وتميم الداري وسلمان الفارسي، الذين يشهدون بتصديق محمد، وقال مجاهد: يريد عبد الله بن سلام خاصة، قال هو: فيّ نزلت: {ومن عنده علم الكتاب}.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القولان الأخيران لا يستقيمان إلا أن تكون الآية مدنية، والجمهور على أنها مكية- قاله سعيد بن جبير، وقال: لا يصح أن تكون الآية في ابن سلام لكونها مكية وكان يقرأ: {ومِن عنده عُلم الكتاب}.
وقيل: يريد جنيًا معروفًا، حكاه النقاش، وهو قول شاذ ضعيف. وقيل: يريد الله تعالى، كأنه استشهد بالله تعالى، ثم ذكره بهذه الألفاظ التي تتضمن صفة تعظيم. ويعترض هذا القول بأن فيه عطف الصفة على الموصوف، وذلك لا يجوز وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض. ويحتمل أن تكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: أعدل وأمضى قولًا، ونحو هذا مما يدل عليه لفظ: {شهيدًا} ويراد بذلك الله تعالى.
وقرأ علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن عباس وابن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك والحكم وغيرهم: {ومِن عندِه علم الكتاب} بكسر الميم من: {من} وخفض الدال، قال أبو الفتح: ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ علي بن أبي طالب أيضًا والحسن وابن السميفع: {ومِن عنده عُلم الكتابُ} بكسر الميم من: {من} وضم العين من: {علم} على أنه مفعول لم يسم فاعله، ورفع الكتاب، وهذه القراءات يراد فيها الله تعالى، لا يحتمل لفظها غير ذلك. والله المعين برحمته. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإِمّا نُرينَّك بعض الذي نعدهم} أي: من العذاب وأنت حيٌّ أو: {نتوفَّينَّك} قبل أن نريَك ذلك، فليس عليك إِلا أن تبلّغ،: {وعلينا الحساب} قال مقاتل: يعني الجزاء.
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن قوله: {فإنما عليك البلاغ} نُسخ بآية السيف وفرض الجهاد، وبه قال قتادة.
قوله تعالى: {أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها}
فيه خمسة أقوال:
أحدها: أنه ما يفتح الله على نبيه من الأرض، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والضحاك.
قال مقاتل: {أولم يروا} يعني: كفار مكة: {أنا نأتي الأرض} يعني: أرض مكة: {ننقصها من أطرافها} يعني: ما حولها.
والثاني: أنها القرية تخرب حتى تبقى الأبيات في ناحيتها، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال عكرمة.
والثالث: أنه نقص أهلها وبركتها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
وقال الشعبي: نقص الأنفس والثمرات.
والرابع: أنه ذهاب فقهائها وخيار أهلها، رواه عطاء عن ابن عباس.
والخامس: أنه موت أهلها، قاله مجاهد، وعطاء، وقتادة.
قوله تعالى: {والله يحكم لا معقِّب لحكمه} قال ابن قتيبة: لا يتعقَّبه أحد بتغيير ولا نقص.
وقد شرحنا معنى سرعة الحساب في سورة [البقرة: 202].
قوله تعالى: {وقد مكر الذين من قبلهم}
يعني: كفار الأمم الخالية، مكروا بأنبيائهم يقصدون قتلهم، كما مكرت قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه.
{فلله المكر جميعًا} يعني: أن مَكر الماكرين مخلوق له، ولا يضرُّ إِلا بإرادته؛ وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسكين له.
{يعلم ماتكسب كل نفس} من خير وشر، ولا يقع ضرر إِلا بإذنه.
{وسيعلم الكافر} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {وسيعلم الكافر}.
قال ابن عباس: يعني: أبا جهل.
وقال الزجاج: الكافر هاهنا: اسم جنس.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {الكفار} على الجمع.
قوله تعالى: {لمن عقبى الدار} أي: لمن الجنة آخر الأمر.
قوله تعالى: {ويقول الذين كفروا}
فيهم قولان:
أحدهما: أنهم اليهود والنصارى.
والثاني: كفار قريش.
{قل كفى بالله شهيدًا} أي: شاهدًا: {بيني وبينكم} بما أظهرَ من الآيات، وأبان من الدلالات على نبوَّتي.
قوله تعالى: {ومن عنده علم الكتاب} فيه سبعة أقوال:
أحدها: أنهم علماء اليهود والنصارى، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أنه عبد الله بن سلام، قاله الحسن، ومجاهد، وعِكرمة، وابن زيد، وابن السائب، ومُقاتل.
والثالث: أنهم قوم من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحق، منهم عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الداريّ، قاله قتادة.
والرابع: أنه جبريل عليه السلام، قاله سعيد بن جُبير.
والخامس: أنه علي بن أبي طالب، قاله ابن الحنفية.
والسادس: أنه بنيامين، قاله شمر.
والسابع: أنه الله تعالى، روي عن الحسن، ومجاهد، واختاره الزجاج واحتجَّ له بقراءة من قرأ: {ومِنْ عِندِه عُلِمَ الكتابُ} وهي قراءة ابن السّميفع، وابن أبي عبلة، ومجاهد، وأبي حيوة.
ورواية ابن أبي سريج عن الكسائي: {ومِنْ} بكسر الميم: {عِندِه} بكسر الدال: {عُلِمَ} بضم الميم وكسر اللام وفتح الميم: {الكتابُ} بالرفع. وقرأ الحسن: {ومِنْ} بكسر الميم: {عندِه} بكسر الدال: {عِلْمُ} بكسر العين وضمِّ الميم: {الكتابِ} مضاف، كأنه قال: أُنزل من عِلم الله عز وجل. اهـ.